نعرف من واقع أنفسنا، ومما نراه ونشاهده من الآخرين من حولنا، أن كلاً منا يخطئ ويصيب، يذنب ويحسن، يطيع ويعصي، وهذه هي إرادة الله في الإنسان،عليه أن يذنب، وعليه أن يخطئ لماذا ؟! لأنه إنسان، لأنه بشر، لأنه غير معصوم.
يقول المصطفى الحبيب صلى الله عليه وسلم " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " رواه الترمذي ويقول البشير النذير عليه من الله أتم صلاة وأزكى تسليم "لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم" رواه مسلم
صدقت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ونفسي فكلنا ذوو خطأ، نعم.. كلنا نخطئ، وكلنا نكرر الخطأ، ولكن .. يا ترى هل تركنا سدى، هل تركنا هملا، نذنب فتتراكم السيئات علينا فلا نتوب منها، لأننا لا نعرف سبل محوها، ونخطئ فتمتلئ صحائفنا بالذنوب فلا نستغفر منها، لأننا لا نعرف الطريق المؤدي إلى إزالتها, لا والله ! ثم لا والله .
فإن رحمة الله بنا واسعة، وفضله علينا عميم، ونعمه علينا عظيمة لا يعدها عاد ولا يحيط بها حاسب [ وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ] إبراهيم- 4
وقد أوضح الله سبحانه وتعالى لنا السبل، وبين لنا الوسائل والطرق التي نمحق بها الآثام، ونمحو بها الذنوب، ونزيل بها السيئات ونكفر بها الخطايا. وهذه السبل كثيرة وعديدة وسهلة ويسيرة ومن أبرزها وأشهرها: التوبة. التي ذكرها الله سبحانه وتعالى في كتابه وحث عليها،وبينها نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام وندب إليها، ومن ذلك ما يلي :
قوله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل [ إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما ] النساء - 17 وقوله تعالى [ وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون ] النور-31 وقوله سبحانه وتعالى [ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون] الشورى-25 وقوله سبحانه [ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ] التحريم-8
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " رواه الترمذي. أي أن باب التوبة الواسع مفتوح إلى لحظة الاحتضار. ويقول المصطفى عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه " لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ".
أخي المسلم :
قـدم لنفسك توبة مرجـوة قبل الممات وقبل حبس الألسن
بادر بها غلـق النفـوس فإنه ذخـر وغنـم للمنيب المحسن
أيها الأخ الكريم: ولكي تكون التوبة مقبولة عند الباري سبحانه وتعالى لابد من تحقيق شروطها وهي يسيرة وبسيطة، وتتمثل في ستة شروط :
* الشرط الأول : الإخلاص بمعنى أن تكون التوبة خالصة لله سبحانه وتعالى، ولا يكون الباعث عليها إلا محبة الله تعالى، والطمع في رضوانه، والخوف من عقوبته ونيرانه، فإن كان الباعث لها عرضاً زائلاً من الدنيا، أو طمعاً في جاه، أو تزلفاً لأحد من المخلوقين، أو خوفاً منهم، فليست بتوبة خالصة، (وكل زارع سيحصد ما زرع ).
* الشرط الثاني : الإقلاع عن الذنب الذي يعمله فورا دون تردد أو خجل من أحد أو مجاملة له .
* الشرط الثالث : أن يندم على ما فات من الذنوب والآفات ، وأن ينيب إلى الله تعالى وينكسر بين يديه .
* الشرط الرابع : أن يعزم على أن لا يعود إلى هذا الذنب مرة أخرى ، وهذا الشرط هو ثمرة التوبة ودليل صدق التائب.
* الشرط الخامس : إن كان الذنب متعلقا بشخص أخر، فعليه أن يستحل ذلك منه، فإن كان مالا رده إليه، وإن كان شيئاً مستهلكاً عوضه بمثله، وإن كان غيبة أو نحوها استحلها منه، إلا إذا ترتب على هذا الاستحلال مضرة أكبر ، كأن يقاطعه أو يهجره أو يعاديه ، فإنه يستغفر له بظهر الغيب ويدعو له.
* الشرط السادس : أن تكون التوبة في الوقت المفتوح، وذلك قبل غلق بابها، ويتم ذلك الغلق في وقتين اثنين :
الأول : في حالة الاحتضار : كما قال الله تعالى [ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما ] [ النساء 18 ] وكما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر ) رواه الترمذي
الثاني : في حالة خروج الشمس من مغربها : كما قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها ) رواه مسلم
أخي المسلم الكريم : يقول الشاعر :
إلهـي لا تعـذبني فـإني مـقر بالذي قـد كـان مني
فكم من زلة لي في البرايا وأنت علي ذو فضـل ومــن
إذا فكرت في ندمي عليها عضضت أناملي وقرعت سـني
ومالي حيلة إلا رجـائي وعفوك إن عفوت وحسن ظني
يظن الناس بي خيراً وإني لشر الناس إن لم تعـف عـني
أخي الكريم : وبعد أن علمنا أثر التوبة، وفضلها، ونتائجها المثمرة، ومحبة الله سبحانه وتعالى لها، هلا حرصنا عليها، فبادرنا بها قبل فوات الأوان، لأن تأخير التوبة يحتاج إلى توبة .
المصدر:
مجلة الملتقى
كاتب المقال: د. إبراهيم الفارس