قد قال صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا أراد بعبد خيراً استعمله .. قيل : كيف يستعمله يا رسول الله ؟ قال : يوفقه للعمل الصالح ثم يقبضه عليه ..)
فمن أحبه الله ..أستعمله في طاعته .. وجعله لا يعيش لنفسه فقط .. بل يعيش لدينه .. داعياً إليه ..آمراً بالمعروف .. ناهياً عن المنكر .. مهتماً بأمر المسلمين .. ناصحاً للمؤمنين ..ففي الشيشان أخته .. وفي أفغان أمه .. وفي الصين ابنته .. وفي كشمير أحبابه .. يألملألمهم .. ويفرح لفرحهم .. لا تراه إلا واعظاً لخلانه .. ناصحاً لإخوانه .. مؤثراًفي زمانه ومكانه ..إذا رأى المنكرات .. امتلأ قلبه حسرات .. وفاضت عينه دمعات .. يود لو أن جسده قُرّض بالمقاريض وأن الناس لم يعصوا الله تعالى
يستميت في سبيل نصح الخلق .. وهدايتهم إلى الحق .. تأمل في أحوال الأنبياء ..وأخبار الأولياء ..
انظر إلى إبراهيم وهود .. وسليمان وداود .. وتأمل في حالشعيب وموسى .. وأيوب وعيسى ..
كيف كانوا يخدمون الدين .. ويحققون اليقين ..
واستمع إلى نوح عليه السلام .. يشكو حاله فيقول :
رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا * فلم يزدهم دعائي إلا فرارا * وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصرواواستكبروا استكبارا ) ..
فهل استسلم لماأعرضوا ؟ كلا :
ثم إني دعوتهم جهارا * ثمإني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا * فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا * يرسل السماءعليكم مدرارا * ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا * ما لكم لاترجون لله وقارا ) ..
ماذا بقي من حياة نبيالله نوح؟
الليل والنهار .. العلن والإسرار ..
كل ذلك سخر للدعوة إلى الله ..
وقضى في ذلك ألف سنة إلا خمسين عاماً .. تموت أجيال وتحيا أجيال .. وهو ثابتثبات الجبال ..
ووالله ما أقلت الغبراء .. ولا أظلت الخضراء .. أكرم خلقاً .. ولا أزكى نفساً .. ولا أحرص على هداية الناسمن محمد صلى الله عليه وسلم
نعم ....كان حريصاً على هداية الناس .. مسلمهموكافرهم .. حرهم وعبدهم .. كبيرهم وصغيرهم ..
بذل نفسه وروحه ووقته .. حتى قالله ربه : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءوَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَعَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .. لقد دعا إلىالله في كل مكان .. وحال وزمان ..
في المسجد .. والسوق .. وفي الطريق .. بلوحتى على شفير القبر .. كان يستغل جميع المواقف ليعظ الناس ويذكرهم بربهم ..
لايرى عاصياً إلا نصحه .. ولا مقصراً إلا وجّهه ..
ولم تكن نظرته في هدايةالناس قاصرة .. بل كان عالي الهمة في ذلك .. يفكر في هداية الناس وهم في أصلابآبائهم ..
في الصحيحين ..أن عائشة رضي الله عنها تأملت يوماً .. في مصابالنبي عليه السلام يوم أحد .. يوم قتل بين يديه أصحابه .. وفر خلانه وأحبابه ..وتمكن الكفار من الأبرار .. وارتفعت راية الفجار .. وعظم المصاب .. واشتد الكرب .. وأصيب النبي عليه السلام ..
قالت عائشة : يا رسول الله .. هل أتى عليك يومكان أشد من يوم أحد ؟
فقال صلى الله عليه وسلم وهو يستعيد ذكريات بلائه .. :لقد لقيت من قومك ما لقيت .. وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة .. إذ عرضت نفسي علىبن عبد يا ليل .. فلم يجبني إلى ما أردت ..
فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلمأستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ( وهو ميقات أهل نجد قرب الطائف ) ..
فرفعت رأسيفإذا أنا بسحابة قد أظلتني .. فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني .. فقال :
إن اللهقد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئتفيهم .. فناداني ملك الجبال فسلم علي .. ثم قال :يا محمد فقال : ذلك فيما شئتإن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين .. وهما جبلان عظيمان حول مكة ..
فقلت : لا ..بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً وكان عليه السلام ينتهزجميع الفرص للوعظ والتذكير .. فهو بعد الصلاة يدعو الناس .. ويحببهم إلى ربهم ..وفي السوق يرغبهم فيما عند خالقهم ..وفي الطريق يذكرهم بمعبودهم ..
انظر إليه .. يردف وراءه يوماً عبد الله بن عباس .. فيلتفت إليه في وسط الطريق .. وينتهز الفرصة أن تفوت .. فيقول :
يا غلام .. إني أعلمك كلمات .. احفظ اللهيحفظك .. احفظ الله تجده تجاهك .. إذا سألت فاسأل الله .. وإذا استعنت فاستعن بالله ..
وفي يوم آخر .. يردف معاذ بن جبل .. وراءه .. فيلتفت إليه وسط الطريق ..ويقول : يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله .. حق اللهعلى العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئاً .. وحق العباد على الله أن لا يعذب من لايشرك به شيئاً ..
بل حتى عند القبر .. كان عليه السلام .. يستغل اجتماع الناسلهدايتهم ..
روى الإمام أحمد عن البراء بن عازب قال :بينما نحن مع رسولالله صلى الله عليه وسلم إذ بصر بجماعة .. فقال :
علام اجتمع عليه هؤلاء ؟قيل : على قبر يحفرونه ..
ففزع رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فبدر بينيدي أصحابه مسرعاً .. حتى انتهى إلى القبر .. فجثا عليه .. قال البراء : فاستقبلتهمن بين يديه لأنظر ما يصنع .. فبكى حتى بل الثرى من دموعه .. ثم أقبل علينا .. فقال أي إخواني لمثل اليوم فاعدوا .. بل .. لم يكن اهتمامالنبي عليه السلام .. مقتصراً على كبار الأنام .. بل اعتنى بالصغار والكبار ..والعبيد والأحرار ..
عند البخاري أنه صلى الله عليه وسلم .. يسمع بغلام يهوديمريض .. فيقول لأنس هلم بنا نزوره ..
فيخرج إليه يزوره .. فلما دخل صلى اللهعليه وسلم عليه .. فإذا الغلام طريح الفراش .. وأبوه قاعد عند رأسه ..
فقال لهالنبي عليه السلام : يا فلان .. قل : لا إله إلا الله ..فنظر الغلام إلى أبيه .. فسكت أبوه ..
فأعاد عليه النبي عليه السلام .. فنظر الغلام إلى أبيه .. فقالأبوه : أطع أبا القاسم ..
فقال الغلام : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأنك رسولالله ..
فتهلل وجه النبي عليه السلام .. ثم قام فخرج وهو يقول : الحمد لله الذيأخرجه بي من النار ..
لنتأمل قليلاً .. غلام خادم .. لا مال له ولا عشيرة ..بل هو في سياق الموت .. ومع ذلك يفرح النبي عليه السلام بإسلامه .. لأنه نجى منالنار ..بل انظر إليه عليه السلام .. لما خرج طريداً شريداً من مكة .. وقريش تجعل الجوائز لمن قتله ..
فيخرجمتخفياً عن الكافرين .. ويختبأ في غار مليء بالعقارب والثعابين .. خوفاً من بطشالمشركين ..
وما يكاد يخرج منه .. ويمضي إلى المدينة .. عليه وعثاء السفر ..وكربة الضر ..
حتى لقيه في الطريق بريدة بن الحصيب .. أعرابي في الصحراء ..فلما رآه النبي عليه السلام .. نسي تعبه ونصبه .. وأقبل عليه يدعوه إلى الإسلام ..ونبذ عبادة الصنام ..
ويستميت في سبيل ذلك .. فيسلم بريدة .. ويرجع إلى قومهفيدعوهم .. فيسلم منهم ثلاثون ..
فيأتي بهم في الظلام .. إلى النبي عليه السلام .. فيصلون معه العشاء .. كما عند ابن سعد في الطبقات ..
ما منعه خوفه ولا رعبه .. ولا جوعه ولا نصبه من هداية الناس إلى ربهم .. بل كان صلى الله عليهوسلم يتنازل عن حقوق نفسه .. وحاجات جسده في سبيل هداية الناس ..
في الصحيحينعن جابر رضي اللهعنه قال :أنهم غزو مع النبي عليه السلام .. غزاة قبل نجد ..فنزلوا أثناء الطريق ..
ونزل النبي عليه السلام تحت شجرة .. فعلق سيفه بغصن منأغصانها .. وفرش رداءه ونام تحتها ..
وتفرق الصحابة تحت الشجر .. يستظلون بظلها ..
فبنما هم كذلك .. إذ أقبل رجل إلى النبي عليه السلام .. يمشي رويداً رويداً .. حتى وقف على النبي عليه السلام ..
وهو نائم .. فتناول السيف .. ثم استله منغمده .. ورفعه فوق رأس النبي عليه السلام .. ثم صاح بأعلى صوته وقال :
يا محمد !! من يمنعك مني ؟ ففتح النبي عليه السلام عينيه .. فإذا الرجل تلتمع عيناه شرراً .. والسيف في يده يلمع منه الموت ..
والرجل يصيح .. من يمنعك مني .. من يمنعكمني ..
فقال صلى الله عليه وسلم : الله ..
فانتفض الرجل .. وسقط السيف منيده .. وسقط الرجل على الأرض ..
فقام عليه السلام وأخذ السيف .. ثم رفعه وقال :من يمنعك مني ؟!!
فقال الرجل : لا أحد .. ( ماذا يقول !! اللات والعزى ) .. قال : لا أحد .. كن خير آخذ ..
فقال صلى الله عليه وسلم : تسلم .. قال : لا .. ولكنلك علي أن لا أقاتلك أبداً .. ولا أكون مع قوم يقاتلونك ..
فعفا عنه النبي عليهالسلام .. ولم يعرض له بأذى ..
وكان الرجل ملك قومه .. فمضى إلى قومه .. وهويقول : جئتكم من عند أحسن الناس .. وعاد بهم مسلمين : بل كان صلى الله عليهوسلم يربي أصحابه على سلوك هذا السبيل ..
فكان يصيح بهم قائلاً .. ( بلغوا عني ولو آية .. بلغوا عني ولو آية ) .. فما عذر أحداً في ترك الدعوة إلى الله ..
وفي الحديثالذي رواه مسلم .. قال صلى الله عليه وسلم لعلي ( فوالله .. لأن يهدي الله بك رجلاًواحداً خير لك من حمر النعم ) ..
وحث كل أحد على نشر العلم والنصيحة .. فقالعليه السلام فيما رواه الترمذي : ( إن الله ..وملائكته .. وأهل السماوات .. والأرضين .. حتى النملة في جحرها .. وحتى الحوت ..ليصلون على معلم الناس الخير ) ..
وعلى هذاالطريق المنير سار أصحابه .. فكان نشر الدين .. هو القضية الوحيدة التي لأجلهايحيون .. وعليها يموتون ..
فأبو بكر أسلم على يده أكثرُ من ثلاثين صحابياً ..ستة منهم من العشرة المبشرين بالجنة ..
وكذلك عمر وعثمان .. وعلي وسلمان .. كمبذلوا وقدموا .. وجاهدوا وعملوا .. حتى انتشر الإسلام ..
واهتدى أكثر الأنام ..ونسيت عبادة الأصنام .. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ..
لله درهم .. كانواأئمة عامة ..
يتصدون لإرشاد الناس .. وحمايتهم من المنكرات ..
نعم .. { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَىاللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * وَلَا تَسْتَوِيالْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِيبَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَاإِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
نعم .. كان الصحابة رضيالله عنهم يضاعفون الجهود .. ليوحد الرب المعبود ..
لكن الكفار - أيضاً – كانوافي عصرهم يبذلون .. كما هم في عصرنا يبذلون .. ليصدوا عن سبيل الله ..
ينفقونالأموال .. ويقدمون الرجال .. ويستنفرون الأبطال .. لِـيُكفَر بالكبير المتعال ..
انظر إلى قبائل العرب قبل تمكن الإسلام .. وقد جاءت وفودها للحج في مكة ..
فصح في مسند أحمد .. أنه عليه السلام .. كان يقبل على القبيلة منهم .. فيقوللهم : يا غطفان .. هل لكم في عز الدهر .. قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا .. هذهرسالة ربي .. فمن يؤويني لأبلغ رسالة ربي ..
فما يكاد ينتهي من كلامه .. حتىيقبل عليهم أبو جهل مسرعاً .. فيصيح بهم : لا تصدقوه .. هذا ساحر .. هذا كاهن ..هذا مجنون .. أنا عمه وأدرى الناس به ..فيتركهم النبي عليه السلام .. ويمضيحزيناً مهموماً .. حتى يختفي عن أبي جهل .. ثم يقف عند آخرين فيقول .. يا بني سلمة .. قولوا لا إله إلا الله تفلحوا .. فإذا بأبي جهل يقبل عليهم .. ويقول لهم هذامجنون ..
انظر كيف يبذل أبو جهل ليصد عن سبيل الله ..
بل انظر كم بذل أبوسفيان قبل إسلامه .. وكيف قاد الجيوش لقتل المسلمين في أحد والخندق .. وكم بذلأبو لهب .. وأمية بن خلف .
كانوا يبذلون كل شيء للصد عن سبيل الله .. بل لما اشتد عذاب الكفار .. على الصحابة الأبرار .. أمرهم النبي عليه السلام بالخروج من الجزيرة العربيةكلها .. والهجرة إلى الحبشة ..
فخرج المؤمنون الموحدون .. تركوا أموالهموأشجارهم وثمارهم .. تعبث بها قريش كما تشاء .. وركبوا عباب البحر .. واستقروا فيالحبشة .. في أرض الغرباء البعداء .. في أرض لم يعرفوها .. وبلاد لم يألفوها ..ولغة لم يفهموها ..
استقروا هناك .. فهل تركهم الكفار ؟!! كلا .. ما هانعلى الكافرين .. أن يوحَّد رب العالمين ..
جمعت قريش أموالها .. وانتدبتعقلاءها .. ليذهبوا إلى ملك الحبشة .. فيغروا بالهدايا والأموال .. لـيُرجعالمؤمنين إلى مكة حيث العذاب والنكال ..
عجباً .. وماذا يضر قريش أن يعبد اللهفي أرض بعيدة .. إنه الصد عن سبيل الله .. وإن تعجب .. فاعجب .. منرجل يصد عن سبيل الله وهو على فراش الموت ..إنه أبو طالب .. عم النبي عليهالسلام .. كان مصدقاً في داخله بالإسلام ..
أليس هو الذي كان يقول :
واللهلن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد في التراب دفينا
ولقد علمت بأن دين محمد من خيرأديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
لكنه يظل على دين قومه ..
حتى كبر سنه .. ورق عظمه .. واقتربت منيته ..
فمرض يوماً .. واشتدت عليه السكرات ..
فيسرع النبي عليه السلام إليه ..فإذا عمه على فراش الموت ..
قد علاه النزع والعرق .. واشتد به الخوف والفرق ..
وهو يودع الدنيا بأنفاس أخيرة .. وإذا عنده أبو جهل وكفار قريش ..
فيقبلالنبي عليه السلام عليه .. وينطرح بين يديه .. ويقول وهو يدافع عبراته .. يا عم قللا إله إلا الله ..
فينظر إليه أبو طالب .. ورسول الله صلى الله عليه وسلمأحبالناس إليه ..
فلما كاد أبو طال أن يقول لا إله إلا الله .. صاح به أبو جهلوقال : يا أبا طالب .. أترغب عن ملة عبد المطلب ..
عجباً .. وما دخلك أنت ياأبا جهل .. الرجل على فراش الموت يسلم أو لا يسلم .. وما يضرك أنت أو ينفعك ..
إنه الصد عن سبيل الله ..
ورسول الله عليه السلام .. يصيح بعمه .. ويتداركأنفاسه .. ويكرر :
يا عم .. قل لا إله إلا الله .. كلمة أحاج لك بها عند الله ..
وأبو جهل يدافعه .. أترغب عن ملة عبد المطلب .. أترغب عن ملة عبد المطلب ..
حتى مات .. وهو على عبادة الأصنام .. والشرك بالملك العلام ..
وفي الصحيحينأنه صلى الله عليه وسلم سئل فقيل له : يا رسول الله إن عمك كان يحوطك وينصرك فهلأغنيت عنه شيئاً ؟
فقال : نعم .. وجدته في غمرات من النار .. فأخرجته إلى ضحضاحمن نار .. تحت قدميه جمرتان من نار يغلي منهما دماغه ..
بل كان الكفار يتواصونبالثبات على الباطل .. قال تعالى عن كفار قريش :
( وانطلق الملأ منهم أن امشوا - أي استمروا على دينكم - واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد ) ..
وفي الآيةالأخرى يقول جل وعلا .. وإذا رأوك إنيتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا * إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أنصبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلاً )
نعم كان الكفار يبذلون فيعهد النبي عليه السلام .. للصد عن الإسلام ..
ولكن بذل المؤمنين كان أكثر ..وجهدَهم كان أكبر ..
يستميت أحدهم للإصلاح ويناضل .. حتى ظهر الحق وزهق الباطل ..
واليوم .. خذ جولة سريعة .. وقارن بين الفريقين ..
انظر - إن شئت - إلىعمل اليهود وتكاتفهم .. لإقامة دولة إسرائيل ..
وانظر إلى تفاني الهندوسوالبوذيين في خدمة دينهم .. حتى استغرق ذلك أوقاتهم واستنفذ جهودهم .. فأشغلهم عناللذات والشهوات ..
وانظر إلى نشاط المنصرين .. وحرصهم على دعوتهم .. وبذلهمأموالهم .. وأوقاتهم .. وجهودهم ..
وهم على باطل ..
يقول أحد الدعاة ..
كانت تقدم إليَّ الدعوات دائماً لزيارة اللاجئين المسلمين في أفريقيا ..فتوجهت إلى هناك بعد تردد طويل .. وقررت أن أمكث أسبوعين .. وفوجئت بخطورة الطريق .. والحر الشديد .. وكثرة الحشرات .. والبعوض الحامل للأمراض ..
فلما وصلت فرحبي هؤلاء الضعفاء .. وأسكنوني في أحسن الخيام .. وأحضروا لي أنظف الفرش .. فبقيتتلك الليلة معجباً بنفسي .. وتضحيتي .. ثم نمت في عناء شديد .. وأنا أحمل هم هذينالأسبوعين ..
وفي الصباح جاءني أحدهم وطلب مني أن أتجول في المخيم .. فطلبت منهتأجيل ذلك حتى تخف حرارة الشمس .. فأصرَّ عليَّ فخرجت معه .. وذهبنا إلى البئرالوحيد الذي يزدحم عليه الناس .. ولفت نظري من بين هؤلاء الأفارقة .. شابة شعرهاأصفر .. لم يتجاوز عمرها الثلاثين .. فسألته بعجب : من هذه ؟
فقال : هذه منصرةنرويجية .. تقيم هنا منذ ستة أشهر .. تأكل من طعامنا .. وتشرب من شرابنا .. وتعلمتلغتنا .. وقد تنصر على يدها المئات ..
نعم .. { إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَوَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } .. ويقول آخر ..
كنت في ألمانيا ..فطُرق علي الباب .. وإذا صوت امرأة شابة ينادي من ورائه ..
فقلت لها : ماتريدين ..؟
قالت : افتح الباب .. قلت : أنا رجل مسلم .. وليس عندي أحد .. ولايجوز أن تدخلي عليَّ ..
فأصرت عليَّ .. فأبيت أن أفتح الباب ..
فقالت : أنامن جماعة شهود يهوه الدينية .. افتح الباب .. وخذ هذه الكتب والنشرات .. قلت : لاأريد شيئاً ..
فأخذت تترجى .. فوليت الباب ظهري .. ومضيت إلى غرفتي ..
فماكان منها إلا أن وضعت فمها على ثقب في الباب ..
ثم أخذت تتكلم عن دينها ..وتشرح مبادئ عقيدتها لمدة عشر دقائق ..
فلما انتهت .. توجهت إلى الباب وسألتها : لم تتعبين نفسك هكذا ..
فقالت : أنا أشعر الآن بالراحة .. لأني بذلت ماأستطيع في سبيل خدمة ديني .. { إِنتَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ } وجهود أعداء الدين .. منالكفرة والمنصرين .. أشهر من أن تذكر ..
وتأمل فيما يبذلونه لتنصير المسلميين